“الشعب اليمني يتحدى الملل”
ريان الشيباني
لقد كرست أنظمة الحكم الديكتاتورية في الوطن العربي قدسية الحاكم من خلال صورته، وشكلت هذه الصورة النمط الأوحد للرجل الصارم الذي غالباً ما يكون على ارتفاع خمسة أقدام عن سطح الأرض و يتظاهر أنه يحيي جماهيره المطيعة بإيماءة فيها غنج بليغ.
ولهذا شكلت أول عملية إحراق لصور الزعيم العربي صدام حسين في نهاية القرن المنصرم صدمة لدى نظرائه في الأقطار العربية، وتداولت الأخبار حينها أن الرئيس علي عبدالله صالح أمر بإنزال صوره من كل المنشآت العامة والخاصة والتي ما لبثت أن تسللت خلسة مرة أخرى إلى هذه المنشآت.
والآن سقطا نظاما بن علي ومبارك، وكتبت الصحافة العالمية عن صور الدعابة كجزء من المنظومة الثورية التي أسقطت النظام هناك، وقد عرفت المقاومة بالدعابة طريقها لأول مرة مع انطلاق الشرارة الأولى لثورة الشعوب العربية من تونس، حين قال الديكتاتور بلهجة استعطاف: فهمتكم، نعم فهمتكم في اليمن لا يزال النظام السياسي في طور ملتبس، وبالمناسبة تتولد الدعابة في الحالات الأولى لارتباك الخطاب الرسمي الناتج عن خروج الأمور عن السيطرة، ومعروف أن اليمن من الدول التي أصيبت مبكرا بهستيريا الاحتجاجات وخرج الرئيس اليمني يتبرأ من التأبيد والتوريث، وبعد يوم واحد من الخطاب كان أحد المعارضين في مهرجان حاشد لأعضاء اللقاء المشترك قد رفع لافتة كتب عليها: انتظروا الجزء الثاني من المسرحية الهزلية لن أترشح (في تلميح واضح لتراجع الرئيس عن وعد سابق له بعدم الترشح).
هذه المرة تم تركيب ملامح متعددة لصورة الزعيم وبدا أكثر نشاطاُ وحيوية من ذي قبل، بل وأخذ وظائف متعددة ويرى المحتجون أنها تليق به.
“الشعب اليمني يتحدى الملل”
واليوم ومع احتشاد المئات أمام البوابة الرئيسية لجامعة صنعاء في اعتصام مفتوح ومع ارتفاع سقف الخطاب وكسر حاجز الخوف رفع المشاركون لافتات اعتمد الكثير منها على الحدة والسخرية المريرة في التناول.
كما أصبحت ما تسمى بساحة التغيير بمثابة سوق عكاظ لشعارات المحتجين، ولأن الكثير من الناس –بما فيهم النظام- راهنوا على عامل القات لإفساد فورة المتظاهرين، فقد أبتكر اليمنيون طرازهم الفريد لإيصال صوتهم من خلال نصب الخيام والتمركز فيها و استخدمت هذه الخيام كلافتات أيضا، فالبعض أبرز أسم منطقته على الخيمة والبعض الآخر وجدها مساحة حرة للتندر حيث كتب أحدهم عرضاً يرى أنه مغرياُ: يا علي أرحل وخذلك الخيمة. وأحد المشاركين طاف على المعتصمون بلافتة تظهر شخصاُ وهو يحرق نفسه في باب اليمن وكتب تحتها عاجل: الرئيس اليمني يحرق نفسه لكي يرحل الشعب، وآخر وضع صورة الرئيس على جسد رجل يعزف بآلة العود وكتب تحتها بلكنة جبلية: حاسبوا الفنان يرح له.
وهناك من تبرع بالرئيس الليبي و أعطى المشتري الرئيس اليمني كدعاية.
روح الدعابة تجسدت أيضا في كرنفال من الألوان على الوجوه وعلى بعض الأجساد العارية، فأحدهم أراد لأبيه ان يعرف غير علي عبدالله صالح، كما تمنى هو نفس الأمنية، وأردف بعبارة: جيل بعد جيل، أطول منك مستحيل.
وعلى مقربة منه نصب مشاركون خيمتهم، واعتلتها لافتة كتبت بالأسود والأحمر: شركة الجمهورية اليمنية لصاحبها الرئيس علي عبدالله صالح، و بخط أكبر وعريض وجه رسالته إلى الرئيس مباشرة وبنبرة تحد كتب: صالح مش حتقدر تغمض عينيك، الشعب اليمني يتحدى الملل.
المصدر: صحيفة الشاهد